Meet the Artist

الفنانة التشكيليّة جيسي تابت: بيروت عشقي وشغفي رسمُها بجميع حالاتِها

ترعرعت في بيئةٍ من الفنانين الموهوبين وورثت عن أهلها حبّها للرسم منذ نعومة أظفارها فراحت ترسم على جدران منزلها كلّ ما تراه حولها مِن جمال. وحين شبّ عودُها فرضت نفسها على الساحة التشكيليّة بلوحاتٍ تحكي عشقها لبيروت وأزقّتها، ولهذا البحر الأزرق الذي يجعلها تحلمُ بغدٍ واعد. إنّها التشكيلية جيسي تابت في لقاءٍ عفويّ حول فنّها وعشقها للمدينة التي لا تجيدُ الموت.

 

كيف بدأ شغفك بالفنّ التشكيلي؟

منذ طفولتي كنتُ محاطةً ببيئةٍ مليئةٍ بالإبداع والفنّ، اذ كان أفراد العائلة إما مصوّرين أو رسّامين. لم يكن الفنّ مجرّد هوايةٍ بالنسبة إلينا بل أسلوب حياة، اذ كان الرسم جزءًا من يومياتنا. كان الفنّ يسري في دمي منذ نعومة أظفاري وكنتُ أرسم دومًـا مـعلّـمتي “غـرازييلا” في المدرسة، لأنّـنـي كـنت مـفتونةً بجمالها حتى أنّني قدّمت لها رسمتي كهديةٍ ذات يوم.

كـان جـمالُها الصـارخ يسـتـرعي انـتـباهي بتنانيرها القصيرة وشعرها الطويل وعينيْها الساحرتيْن. وجدتُ التشجيع أولًا من أهلي لأنني لم أكن بحاجةٍ إلى تحفيزٍ خارجي، لأنّ أجواء منزلنا كانت غنيّة بالفنّ. فوالدي كان مصوّرًا ذائع الصيت وأمّي تعمل في تصميم الأزياء، وكانت تخيط لي ملابسي التي أصمّمها أحيانًا. هذه البيئة الغنية بالإبداع كانت محرّكًا أو دافعًا أساسيًا لِشغفي بالفنّ.

 

متى علمتِ أنك تريدين امتهان الرسم؟

عندما التحقتُ بالجامعة اللبنانية، حصل معي أمرٌ زاد من قناعتي بضرورة سلوك درب الفنّ التشكيليّ. أعطانا أحد الاساتذة واجبًا يقضي برسم لوحةٍ تتضمّن فاكهة التفاح. لا أعرف لمَ نسيت الواجب، فوصلتُ الى الصفّ خالية الوفاض، فيما حمل كلّ من زملائي لوحتَهُ بفخرٍ واعتزاز. وحين أدركتُ ما ارتكبتُه مِن خطأ فادحٍ بادرتُ فورًا الى تصويبه بلوحةٍ رسمتها على عجلٍ فلم تستغرق مني إلا 15 دقيقة ونالت إعجاب الاستاذ. أحببت اللوحة جدًا واحتفظت بها لعشر سنوات. عرفتُ في تلك اللحظة أنّني موهوبة فعلًا وأدركتُ أنّه عليّ تطوير موهبتي. كانت تلك نقطة تحوّل في حياتي لأنّها أشعرتني بأنّ الفن سيكون مستقبلي.

 

بمَن تأثرتِ مِن الفنانين في مسيرتك الفنية؟

شوقي شمعون، بول غيراغوسيان، وجوزيف مطر كانوا من أكثر الأساتذة تأثيرًا فيّ. أدهشني غيراغوسيان خصوصًا بأسلوبه المبتكر في رسم الشخصيات. كان غالبًا ما يطلب منا التركيز على شخصيّة الانسان وانفعالاته. أحببتُ مرحلة الجامعة وأساتذتي لأنّهم كانوا جميعًا من عمالقة الفنّ.

لاحظنا أن بداياتك كانت برسم العيون.

صحيح. كنت مفتونةً بتفاصيلها وألوانها المختلفة، فرحتُ أرسمها محاولةً التقاط التعابير المختلفة، وحين التحقتُ بالجامعة زاد تعلّقي بالفنّ التشكيلي خصوصًا أننا كنا نقضي الليالي في الرسم وتطوير مهاراتنا.

ثم انتقلتِ الى البحر مخصصةً له معظم لوحاتِك.

فعلًا. لأنّ البحر هو مصدرُ إلهامي. غالبًا ما ألجأ إليه خصوصًا حين أشعر بالتوتّر أو الحزن. البحرُ زادي من الصفاء والهدوء. يكفي أن أنظر إليه لأشعر بالراحة والطمأنينة. والبحرُ يجعلني أحلم وأحلّق بعيدًا. أمنيتي أن أسكن شقةً مطلّةً على البحر ذات يوم.

 

تفضّلين بيروت على الجبل إذًا؟

أفضّل بيروت والبحر طبعًا. أحبّ بيروت فهي مدينةٌ مفعمة بالحياة تلتقي فيها بثقافاتٍ وحضاراتٍ مختلفة. لِبيروت طابعٌ فريد يحاكي المُدُن الأوروبية، بحيث تجدُ فيها مِن الاعراق والاثنيات المختلفة، وهذا تحديدًا ما يصنع سحرها. أحبّ بيروت بشوارعها وأزقّتها ومبانيها. أحب رسمها في جميع حالاتها فأنا متيّمةٌ بها.

ولهذا رأيناكِ في الساحات تثورين لها؟

كنت أرسمها بكثافةٍ في الساحات خلال الثورة، فأمضي معظم وقتي بين الثوّار ألتقط اللحظة والانفعالات، وكان التفاعل مع أعمالي مؤثّرًا للغاية. كانت بيروت جميلةً بمعانقتها للثورة وما تحمله من آمالٍ ووعودٍ وردية. كنا نحلم بغدٍ افضل وكأنّنا نستعيد زمام الأمور ولكنّ أمنياتنا لم تتحقّق فشعرتُ بخيبة أملٍ كبيرة وكأننا خذلنا بيروت.

كان حزني كبيرًا عليها خصوصًا أنّني تضرّرت شخصيًا من انفجار المرفأ فانهار منزلي على رأسي وبقيت أشهرًا أسوةً بجميع اللبنانيين مكسورة الخاطر وبات المرفأ جزءًا من يومياتي فرحت أرسمه بكثافة لوحةً تلو أخرى.

 

حالتُكِ النفسية تؤثر إذًا على فنّك؟

طبعًا. تؤدّي المشاعر دورًا رئيسًا في أعمالي. فالألوان التي أستخدمُها تعكس حالتي العاطفية. أحبُّ أن تكون لوحاتي مصدرَ فرحٍ لا حزنٍ فأنا لا أجيدُ الرسمَ حين أكونُ حزينةً وكانت فترةُ انفجار المرفأ استثناءً وحيدًا مِن هذه الناحية.

 

وصلت لوحاتُكِ الى الخارج في تلك الفترة.

نعم، وقد اقترن اسمي ببيروت فبتُّ أعرّف بفنانة “الثورة” أو “فنانة بيروت”. بيروت عشقي وشغفي رسمها بِحالاتها جميعًا، وأنا أتشاطرُ هذا العشق مع جميع المُغتربين. لا يمكنكِ أن تتصوّري عدد المغتربين الذين أرادوا اقتناء لوحاتي في تلك الفترة.

هل تحلمين بالعالمية؟

طبعًا فالمشاركة في المعارض الدولية خطوةٌ أساسيّة بالنسبة إليّ وسبق لي أن تعاونت مع غاليري “موديز” في فرنسا، فضلًا عن المشاركة في المزادات الأجنبية وأنا أسعى دومًا إلى عرض أعمالي عالميًا.

 

ما هي نصحيتك للفنانين التشكيليّين الصاعدين؟

أن يخصّصوا وقتًا للإبداع، لأن التفرّغ والتركيز يساعدان على تطوير مهاراتهم بشكلٍ أسرع. كلّما ركّزوا على الرسم طوّروا أفكارهم وأصبح أسلوبهم أكثر تميزًا وفرادةً.

 

هل تعتبرين أنّه بوسع الفنان حاليًا أن يعيش من فنّه فحسب؟

قد يكون الأمر صعبًا في البداية لذا غالبًا ما نجد أنّ معظم الرسامين لديهم وظائف أخرى يكتسبون منها ويستمرّ الأمر كذلك الى أن يحقّقوا الشهرة. لكن بمجرد أن يصبح الفنان معروفًا يمكنه العيش من فنّه حصريًا.

 

ماذا تطلبين من وزير الثقافة لو سنحت لك فرصة لقائه؟

أطلب منه إنشاء متحفٍ كبير للفنانين اللبنانيين كي نحفظ أعمالهم ونُعَرّف العالم والأجيال القادمة الى فنّهم، فمتحف “سرسق” وحده لا يكفي لِحصر الفنانين المُبدعين في أروقتِهِ.

هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحلّ مكان الفنان التشكيلي؟

لا أعتقد ذلك. قد يقلّد الذكاء الاصطناعي أسلوب الفنان التقني لكنّه يفتقد الى العاطفة والإحساس. ليس الفنّ الحقيقي مُجرّد تقنية، بل هو انعكاسٌ للمشاعر ما يجعلُ كلّ لوحةٍ فريدةً في تعبيرها ويستحيلُ أن تصل الآلة الى هذه الدرجة مِن الاحساس المُرهف.

صحافية |  + posts

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى