روائع الأدب

نورا فينسنت في شخصيّة “نيد”… رحلة عبورٍ إلى صمت الرجال

في مغامرةٍ أدبية لا تخلو مِن الجرأة، خاضت الكاتبة الأمريكية نورا فينسنت تجربةً استثنائية، لم يكن هدفها إليها حبّ الظهور، بل توقٌ إلى الحقيقة التي تتوارى خلف المظاهر الاجتماعية. كانت الكاتبة تعتقد أن الرجل ينعم بامتيازاتٍ لا تتيحها الحياة للمرأة، وأرادت أن تكتشف صدق هذه الفرضية من خلال عينيْ رجل، لا مِن وراء كلمات.

قرّرت نورا في مطلع الألفية أن تنفّذ تجربة غير مسبوقة: أن تُغيّر هويتها الظاهرة بالكامل لتصبح رجلاً يُدعى “نيد”. استعانت بخبراء التجميل والصوت، فأتقنت طريقة المشي والكلام، وارتدت ملابس تُخفي أنوثتها، حتى غدت في مظهرها رجلًا مُتقَن الهيئة.

خلال ثمانية عشر شهرًا، عاش “نيد” بين الرجال لا كمُراقبٍ، بل كمُشاركٍ في تفاصيل الحياة:

في فريق بولينغ ذكوري، اختبرت الصمت العاطفي والضغوط الخفية لإثبات الذات وسط تنافس لا يرحم. وفي مواقع العمل البدني والمبيعات، شعرت بثقل التوقّعات التي تطلب من الرجل التفوّق من دون عذرٍ أو تعب. وفي تجارب المواعدة، عرفت مرارة الرفض القاسي ونظرة التحقير، ففهمت ألم كثيرٍ من الرجال الذين لا يجرؤون على البوح به. وفي ملتقياتٍ روحيّة خاصة بالرجال، لمست أرواحًا منهكة تبحثُ عن ملاذٍ، وسط عالمٍ لا يعترف بحاجتها للحنان.

وحين وضعت نورا القناع جانبًا، عجزت عن العودة بسهولةٍ إلى ذاتها القديمة. أصابها الاكتئابُ وانكفأت على نفسها، وكأنّها عادت مُثقلَةً بأحمالٍ كانت تجهلُ وجودها. وقالت في حديثٍ تلفزيونيّ: “ظننتُ أنّ حياة الرجال طريقٌ معبّد بالامتيازات، فإذ بها ممرٌ ضيّق مغمور بالوحدة والضغط والصمت المؤلم.” دوّنت نورا تجربتها في كتابها الشهير “Self-Made Man” (رجلٌ ذاتيّ الصنع)، فلم تكتب لتفضح الرجال، بل لتكشفَ وجوه معاناتهم التي لا تُرى. لم تُهاجِم، بل أنصفت. كتبت لا مِن بُرجٍ نسويّ، بل مِن قلبٍ عاينَ الحقيقة وعاد لِيُعلنها للعالَم.

في العام 2022، أُسدِلت الستارةُ على حياة نورا بعد صراعٍ طويل مع الاكتئاب. رحلت بجسدها، لكنّ صوتها بقي مدوّيًا لِمَن أراد أن يصغي. لم تكن قصّتُها تمثيليةً صحفية، بل روايةً إنسانية خالدة تقول للعالم: “لا نتخدعوا بالقشور، فخلف ملامح القوّة، أرواحٌ تنزف بصمتٍ.”

BEIRUT CULTURE
Website |  + posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى