غياب – ربيعة أبي فاضل

أَنهى الكفاءَة في اللّغة العربيَّة وآدابها في كليّة التربية- الجامعة اللبنانية، أَواسط السبعينيَّات، والدكتوراه في الجامعة اليسوعيّة ثمّ اللبنانيَّة، أَواخر الثمانينيَّات. مارس الصِّحافة الثقافيّة في جريدتَي النَّهار والحوادث. وعلّم في كليّة الآداب، الجامعة اللبنانيّة. ولا يزال يشرف على طلّاب الماجستير والدكتوراه. وهو من الأَقلام الأصيلة والحديثة معاً. أَنتج ستّين كتاباً في النقَّد الأَدبيّ والقصَّة والرّواية والشّعر. وشدّد في نقده على عمق الدَّلالة وسَعة الفضاء ووهج الجمال، واستمدّ معظم قصصه ورواياته من بيئة الرِّيف اللّبنانيّ، ومن التحوّلات التي تفرضها تمدّدات المدن، وإيقاعات الحضارة، والحداثة. أَمّا شعره فصوفيّ، غنائيّ، مشرقيّ، يستمدّ من شمس الشرق دفئها، ومن روحانيّة الشرق غناها، ومن التنوَّع الفكريّ المتفتّح، والحوار والتَّفاهم وقبول الآخر، والبعد عن الكراهية والتسلّط الثّيوقراطي الأَعمى!
* هذا الغيابُ الحاضرُ، النّاشطُ في القلبِ، البعيدُ، القريبُ، الباردُ الحارُّ، المَخفيُّ ذو البيان، المنسيُّ ، المحفورُ في الكيان، لا تهجرُني سلطتُه، ولا يُشعرُني صمتُه بالأمان، كأنّ ريح غيابها يحملني إلى جزيرةٍ لا عزفَ فيها غيرُ عزف الجانّ!
* عندما هبّتِ العاصفةُ لم يكن لي يدٌ في جنونها، أتت منَ المجهول ومحت حكايةً من ضوء، وأيبست ربيع الحديقة، وأمل الانتظار، وأبعدتِ القلبَ عنِ القلب، والرّوحَ عنِ الروح، وتركت جراحاً، ووحشةً، ولا غزال ليؤنسَ غربةً قاسية!
* لماذا يلفُّ الضّبابُ وجهَكِ، ويكتب الغضبُ ملاحمه على ورقِ الجسد، على طينِ الزّمان، على هذه اللّامُبالاة لا تعرف نهاياتٍ، ولا تسألُ عن حضورٍ، وحوارٍ، ولا تحملُ همَّ أعينٍ تُدمى، واحلامٍ تُفَتَّت، وشجون تضربُ سكينةَ التوقُّع، والعطر!
* لا يعني الزمان لي سوى حجر، لا يعني المكان سوى عبور، لا يعني الغيابُ سوى حضور…وهذه العتمةُ البعيدة، حيث يصمتُ صوتُكِ، ويتحصّن جمالكِ، وينهضُ غضبُكِ، لا تُنسيني لحظة واحدة من مرحلةٍ ضحكَ خلالها الرّيحان، واطمأنّ البيلسان، واحتجّ النِّسيانُ وهو يؤنّبني لأنّي لا أُحبُّه!
* سلامٌ إلى الغياب، إلى العزلةِ، وإلى ما تراكمَ في الذات من مآسٍ غريبة، وأوجاعٍ عجيبة، وقصائدَ لا تبوح إلّا بالألم، ولا تُخبرُ إلّاما لا يخطرُ ببال، ولا يستقرُّ على حال…رُدّي هذا الجمال الغائب عن قلبٍ يعرفُ كيف يتخطّى الغياب بإشعال ما تبقّى من حطبٍ، في اللّيالي الباردات، وبالسّهر معَ العبارات!
