أنطون تشيخوف… الأديب الذي أعطى الآخرين وهو يحتضر

في العام 1897 كان أنطون تشيخوف في السابعة والثلاثين من عمره عندما أكّد له الأطباء ما كان يعرفه منذ سنوات: السلّ متقدّم في جسده والنتيجة قاتلة.
وبدل الراحة والانكفاء اختار تشيخوف بناء مدرسة.
وُلد تشيخوف في العام 1860 في مدينة تاغانروغ الروسية، وعانى طفولةً قاسية تحت سطوة أبّ عنيف أجبر أبناءه على العمل في متجره المتداعي. إزاء حياةٍ قاسية وجد تشيخوف ملاذه في القصص. كتب وراقب محوّلًا ألمه إلى أدبٍ راقٍ.
في العشرينات من عمره، وبينما كان يدرس الطب في جامعة موسكو، بدأ بنشر قصص قصيرة لإعالة أسرته الفقيرة.beiru
كتب مئات القصص وقد تجاوز عددُها الستمائة، منها المضحكة والحزينة، والإنسانية. ورغم نجاحه الأدبي لم يتخلّ يومًا عن الطب، فصرّح مرّةً: “الطب زوجتي الشرعية والأدب عشيقتي.”
في العام 1892، اشترى عقارًا صغيرًا في ميليخوفو، ليس كملاذٍ للكتابة، بل كمستوصفٍ طبّي عالج فيه الفلاحين مجانًا. لم يطلب مالًا أو يرفض أحدًا، وعندما اجتاح وباء الكوليرا روسيا لم يهرب، بل تطوّع، وسافر من قريةٍ إلى أخرى ليعالج المرضى، ويدفن الموتى، ويوزّع الأدوية مع أنه هو نفسه كان مصابًا بالسلّ.
توسّل إليه أصدقاؤه أن يتوقف ليهتمّ بصحته، خصوصًا أنّه كان يسعل دمًا، لكنّه أبى لإيمانه بأنّ الحياة الحقيقية تُقاس بما يقدّمه المرء للآخرين.
وبينما كتب أعظم مسرحياته — النورس، العم فانيا، ثلاث أخوات، بستان الكرز، راح يبني مدارس لأطفال الفلاحين، ويشيد مركزًا للإطفاء، ويُقيم برجًا للكنيسة ويُصلح الطرق، ويُؤسس مكتبةً عامة في مدينته، ويتبرّع بآلاف الكتب.
لم يفعل ذلك في سبيل الشهرة، بل ليقينه أنّه لن يعمر طويلًا ورغبةً منه في أن يترك أثرًا طيّبًا ولذا كتب ذات يومٍ: “لا شيء أكثر رعبًا من شعورك بأنّك تموت وبأنّ كلّ ما فعلته سيُنسى.”
في العام 1904، أُرسل إلى منتجعٍ صحيّ في ألمانيا، لكن الهواء الجبلي لم يُنقذه فتوفّى في 15 تموز عن 44 عامًا.
أما كلماته الأخيرة على فراش الموت فكانت: “أنا أحتضر”، ليضيف بعد هنيهةٍ بابتسامةٍ ساخرة: “مرّ وقت طويل منذ شربت الشمبانيا.” فتح طبيبه زجاجةً له فأخذ تشيخوف رشفةً ودّع بعدها الحياة بهدوء.
وهكذا رحل الأديب، الطبيبُ فاعل الخير من دون مقابل، ولكن إرثه بقي حيًّا، فاليوم وبعد أكثر من 120 عامًا، ما زالت مسرحياته تُعرض في كلّ قارة، وقصصه تُدرّس في المدارس، والمكتبات التي أسّسها تخدم القرّاء، والمدارس التي بناها تُعلّم الأطفال.





