الـشّـارع – د. ربيعة أبي فاضل

* هذا الشّارع المسكين، عندنا، مَتروكٌ لقدره. تُنهكه النُّفايات، وتُرهقُه المُتسيكلات، وتلعب في حيّزه، كلُّ الجنسيّات، وتخنقٌه سيّارات لسائقين غريبة وجوههم، وأحيانًا كثيرة، لا تحمل رقمًا ، وهُويّة!
* ويأتي، في حال كنتَ مُراقبًا، مَن يصدمك، وينزل ليُساعدكَ، فيُهدّدك، ويسلب ما تيسّر لديك من دولارات لشراء حليب أو دواء أو ماء وهواء. وفي حال كنتَ تكدح مع امرأتكَ، فالجزدان من دون أمان.
* والحديث عنِ الديليفري طويل، كالحديث عن بهلول دوستويفسكي، أو مجنون جبران. ومتى احتجتَ إلى مَن يُسعفكَ في منزلك، وأنتَ عبرتَ السّبعين، وزوجكَ أيضًا، فتُصلّي كي لا يخونك الحظّ، وتودّع الدنيا!
* هذا الشّارع عندنا، كما عقولنا، وقلوبنا، وعزائمنا، لم يعد يحتمل الصّبر، ويحتاج إلى نظافة، ورقابة، وانتظام، وقوانين لا ندري كيف غابت، وانهزمت، وتخلَّت عن دورها في حماية البلاد، وكرامة العباد!
* أعرف أنّ المُقيم في برجه العاجيّ لا يَهوى النّظر إلى أسفل، وأنّ مَن يأكل الذّهب لا يُبالي بالفـلافل، لكنّ الوطن في ذروة الخـطر بسـبب الـشارع، شـارع العـنف، والفوضى، والـجـنس، والـمـخدّرات، وكلّ ما لا يخطر ببال!
* حاول أن تقف بضع دقائق أمام دَوّارٍ في المدينة، فإنّك تشعر بالغثيان، والقرف، والرّعب. وإذا سعيتَ لرؤية لبنانيّ أبيّ، حضاريّ، فلَنْ تجد، لأنّهم جميعهم هاجروا، وباتت الدار للغريب، وحرّاس الأرض يبحثونَ في الحقول عن حشيشٍ لحُمُرهم!
العدد التاسع 2025-11-16
ربيعة أبي فاضل
أَنهى الكفاءَة في اللّغة العربيَّة وآدابها في كليّة التربية- الجامعة اللبنانية، أَواسط السبعينيَّات، والدكتوراه في الجامعة اليسوعيّة ثمّ اللبنانيَّة، أَواخر الثمانينيَّات. مارس الصِّحافة الثقافيّة في جريدتَي النَّهار والحوادث. وعلّم في كليّة الآداب، الجامعة اللبنانيّة. ولا يزال يشرف على طلّاب الماجستير والدكتوراه. وهو من الأَقلام الأصيلة والحديثة معاً. أَنتج ستّين كتاباً في النقَّد الأَدبيّ والقصَّة والرّواية والشّعر. وشدّد في نقده على عمق الدَّلالة وسَعة الفضاء ووهج الجمال، واستمدّ معظم قصصه ورواياته من بيئة الرِّيف اللّبنانيّ، ومن التحوّلات التي تفرضها تمدّدات المدن، وإيقاعات الحضارة، والحداثة. أَمّا شعره فصوفيّ، غنائيّ، مشرقيّ، يستمدّ من شمس الشرق دفئها، ومن روحانيّة الشرق غناها، ومن التنوَّع الفكريّ المتفتّح، والحوار والتَّفاهم وقبول الآخر، والبعد عن الكراهية والتسلّط الثّيوقراطي الأَعمى!




