لبنان… بين جمال وإهمال

وُهب لبنان جمالاً استثنائيًا قلّ نظيره. جباله الخضراء التي تعانق الغيوم، وغاباته التي تفيض حياةً، وأنهاره التي تنساب بين الصخور… يقابل هذا الجمال الآسر مشهدٌ مؤلم من الإهمال والاعتداء، وكأنّ الّلبنانيّ يتنكّر للنعمة التي بين يديه.
من شماله إلى جنوبه، تتعرّض الطبيعة اللبنانية لحربٍ صامتة تشنّها يد الإنسان نفسه. فقد تحوّل الصيادون – الذين يفترض أن يكونوا عشّاقًا للطبيعة – إلى قتلةٍ لطيورها المهاجرة، يلاحقونها بلا رحمة لا طمعًا بالغذاء بل للهو، متناسين أنّ هذه الطيور ثروة بيئية وجمالية لا تُقدّر بثمن.
أما الغابات، رئة لبنان الخضراء، فتعاني آفةً أشدّ فتكًا تتمثّل بقطع الأشجار العشوائي بحجة التدفئة أو البناء أو الربح السريع. وهكذا تُقطع الأشجار من دون تخطيط، ومن دون أن تُزرع أخرى مكانها، فيخسر الجبل لونه، وتفقد الأرض خصوبتها، ويختلّ التوازن البيئي.
وإذا نزل المرء من الجبل إلى الوادي، وجد فصلًا آخر من العبث: نفايات على جوانب الطرقات وفي مجاري الأنهر تحوّل المشهد الطبيعي إلى قباحة مقزّزة. زجاجاتٌ بلاستيكية، أكياس، بقايا طعام، وحتى مفروشات قديمة تتراكم مشكّلةً أنهارًا من القمامة ويغدو المشهد دليلًا صارخًا على غياب الوعي والمسؤولية.
لا يمكن تجاهل تلك اللامبالاة المقلقة في أبسط السلوكيات اليومية، كإلقاء أعقاب السجائر من نوافذ السيارات أو أثناء التنزّه في الغابات. هكذا تصبح الشرارة الصغيرة التي لا يوليها أحد اهتمامًا كافيًا بداية كارثةٍ تلتهم مئات الأشجار وتحوّل المساحات الخضراء إلى رماد.
لا تكمن المشكلة في الأفعال فحسب، بل في غياب التوعية البيئية الحقيقية، اذ ما زالت المناهج المدرسية تتناول البيئة كموضوعٍ ثانوي، بينما المطلوب هو أن تصبح الثقافة البيئية جزءًا من سلوك الفرد اليومي، وأن تُربّى الأجيال الجديدة على احترام الأرض تمامًا كما نحترم البيت الذي نعيش فيه.
لا يحتاج إنقاذ الطبيعة في لبنان إلى معجزات، بل إلى قرارٍ جماعيّ يعتبر البيئة شرطًا أساسيًا لحياةٍ كريمة وليس ترفاً. فكلّ شجرة تُزرع، كلّ نفايةٍ تُرمى في مكانها، وكلّ سيجارة تُطفأ في منفضة، هي فعلُ مقاومةٍ في وجه التدهور، وخطوة نحو وطنٍ أجمل.
فلْيُدرِك اللبناني قبل فوات الأوان بأنّ الحفاظ على الطبيعة مرادفٌ لِصونِه هويته، وأنّ الأرض التي أكرمته بجمالها تستحقّ شيئًا من الوفاء بالمقابل.





