FASHION

حين يخيطُ الحلم أثوابَه Creative Space Beirut تُخرّج دفعة 2025

في زاويةٍ من هذا الوطن المتعب، وعلى أنقاض المصانع التي أرهقها الزمن، يولد الأملُ كخيط حريرٍ ينساب من بين أصابع الموهوبين، يحيكون به ملامح مستقبل أكثر إنصافًا وأكثر إشراقًا. هكذا بدا المشهدُ في مصنع “أبرويان” العريق في برج حمود، الذي تحوّل لليلةٍ واحدة إلى مرسمٍ مفتوحٍ على الحنين، ومعرضٍ لقصصٍ تُروى بالقماش والخرز وأحجار الذاكرة.

ليس هذا المشروعُ الذي يحمل عنوات “كرييتيف سبايس بيروت” والذي أطلّ في العام ٢٠١١ على بيروت، مجرّد مدرسة لتصميم الأزياء، بل منصّة حقيقية تهدمُ بأسوارها العالية الفوارق الطبقية، وتمنحُ أصحاب الموهبة، مِن أبناء الأزّقة المهمّشة والمخيّمات والبلدات المنسيّة، فرصة أن يُترجموا وجعهم، وهويّتهم، وحلمهم، إلى أقمشةٍ تنبض بالحياة.

أما تخرّج دفعة 2025 فلم يكن عرضًا للأزياء فحسب، بل طقس عبورٍ حقيقي من ضيق الواقع إلى رحابة الخيال. تحت عنوان “We Have Arrived, We Are Home”، أعلن الخرّيجون أنهم شقّوا طريقهم، وأنّ منزلهم، الحقيقي ربّما، هو هذا الركن الصغير من بيروت، حيث تُغزَل الأحلام مِن قماش، وتُطرّز الحكايات على أكتاف البدلات والفساتين.

في ذلك المساء، لم تكن الأقمشة صامتة، بل تحدّثت، بكَت، وتمرّدت. الأمسية بأكملها كانت مبتكرة بدءًا من لحظة وصول الحضور حيث وزّعت عليه المراوح اليدوية، مرورًا بالفقرات الانتقالية بين الغرف التي وزّعت خلالها أكوابٌ حملت نورًا خافتة وصولًا الى فقرات “الكات ووك” التي استعرض خلالها المصمّمون أبرز تصاميمهم وكانت لافتة احترافية عارضات الأزياء وكأنّك في أحد العروض العالمية.

وهكذا جمعت المؤسسة الشمال بالجنوب والشرق بالغرب في أمسية واحدة فقدمّمت افتخار قنواتي تصاميمها بلون الحنين، وسمّت مجموعتها “Chronic Grief”، كأنّها تقول إن الحزن لا يُدفن، بل يتحوّل إلى خامةٍ ناعمة تلفّنا. وحمل مصطفى السوس من صيدا على كتفيه صدمات الطفولة، ونسجها في مجموعة “Baw7″، حيث انصهرت الملاءات، والشمع، والسيليكون، في ملابس تحمل ندوبًا جميلة، تشهد أن الألم حين يُعرّى، يتحوّل إلى قوّة.

أما جيهان عزّام من قلب الشوف، فحاكت قصة الروح التي لا تعرف الفناء، وقدّمت مجموعة “Vessels”، مستعينةً بتقاليد التقمّص، فبدت الأقمشة ككائنات حيّة تتبدّل، تنتقل، تعيد اكتشاف نفسها.

أما باتيل تاشجيان، حفيدة برج حمود والحنين الأرمني، فجمعت فتات الذكريات المتناثرة من منزلها القديم، وحوّلتها إلى ثياب في مجموعة “Adieu B2079″، كأنها ترمّم بالمقصّ والإبرة ما عجزت الحياة عن إنقاذه.

لم يكن هذا التخرّج احتفالًا روتينيًّا، بل هو أشبه باعترافٍ جماعيّ بأنّ لبنان، رغم شظاياه، لا يزال يُنبت مبدعين يعرفون كيف يحوّلون الندوب إلى زينة، والحطام إلى بيوتٍ موقّتة من الدانتيل، والمرارة إلى عروضٍ تشهدُ بأن الفنّ، كما الحبّ، لا يموت.

في بلاد تُهدَم فيها البيوت، تبني الأقمشةُ أوطانًا مؤقتة. والوطن أحيانًا ليس سوى خيط وإبرة وحلم لا يعرف أن ينكسر.

صحافية موضى وأزياء |  + posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى