علوم

الأشجار تُنذِرُنا عن البراكين

كشفت دراسة علمية حديثة أنّ الأشجار التي تنمو بالقرب من البراكين قد تعمل كنُظم إنذارٍ مبكر طبيعية تُنبِئنا باقتراب ثوران البركان، قبل حدوثه بمدّةٍ كافية لاتخاذ إجراءات السلامة.

فعندما تبدأ الصهارة المعروفة باسم “الماغما” بالصعود من تحت الأرض الى سطحها، تطلقُ غازاتٍ مختلفة، من أبرزها غاز ثاني أكسيد الكربون (CO₂). وبرغم خطورة هذا الغاز، فإنّ اكتشافه مبكرًا أمرٌ بالغ الصعوبة، لكونه غازًا عديم اللون والرائحة، فضلًا عن وجوده أساسًا في الغلاف الجوي بنسبة مرتفعة، ما يصعّب التمييز بين نسبه الطبيعية وتلك الناتجة عن النشاط البركاني.

غير أنّ العلماء لاحظوا أنّ هذا الغاز لا يمرّ من دون أثر، إذ تمتصّه الأشجارُ القريبة مِن مناطق النشاط البركاني، ما يؤدي إلى تغيراتٍ دقيقة في سلوكها البيولوجي، إذ تزداد خضرة أوراقها، ويتسارعُ معدّل التمثيل الضوئيّ لديها، ويطرأ تحوّل على طريقة انعكاس الضوء عن سطحها، وهي مؤشراتٌ يمكن التقاطها مِن الفضاء باستخدام أقمار صناعية متقدّمة مثل “لاندسات 8″ التابعة لوكالة ناسا و”سنتينل-2” التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية.

وقد قام فريقٌ بحثيّ مُشترَك مِن وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) ومؤسسة سميثسونيان باختبار هذه الفرضية ميدانيًّا بالقرب مِن براكين في كُلٍّ مِن تشيلي وكوستاريكا، حيث جمعوا عيناتٍ من أوراق الأشجار، وقاسوا مستويات ثاني أكسيد الكربون مباشرةً، وقارنوا هذه النتائج بالمشاهدات الملتقطَة من الأقمار الصناعية، فوجدوا تطابقًا ملحوظًا يؤكّد صحّة هذه التقنية.

ويُمثّل هذا الإنجاز تحوّلًا نوعيًّا في آليات التنبؤ بالثوران البركاني، خصوصًا في ظل وجود ما يُقدَّر بـ10% من سكان العالم يعيشون بالقرب من براكين نشطة محتملة، كثيرٌ منها يقع في مناطق نائية أو خطرة يصعب فيها تثبيت أجهزة الاستشعار التقليدية. ومن خلال مراقبة التغيّرات النباتية بدلًا مِن قياس الغاز مباشرةً، يحصل العلماء على وسيلةٍ أكثر أمانًا وسهولةً لمراقبة النشاط البركاني عن بُعد.

ليس هذا النهج صالحًا للتطبيق في الأماكن كافةً، إذ لا تحيط الغابات بجميع البراكين، كما تختلف استجابات النباتات تبعًا لاختلاف المناخ والبيئة. ومع ذلك، يبقى هذا الاكتشاف مذهلًا لاسيّما في حال دمجه مع وسائل أخرى مثل رصد النشاط الزلزالي وأجهزة قياس الغاز.

وقد علّق عالم البراكين في وكالة ناسا، الدكتور فلوريان شواندنر، على الاكتشاف بقوله:

“ما مِن إشارة واحدة تأتينا بحلٍّ سحريّ لكنّ هذا الاكتشاف سيُغيّر مِن دون شكّ قواعد اللعبة!”.

BEIRUT CULTURE
Website |  + posts

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى