مطلوب ترجمان – شربل شربل
يحلو لي، من حين إلى آخر، العودة إلى مجموعة توفيق يوسف عوّاد النابضة بالحياة. ولا أملّ الاستمتاع بجماليّة أسلوبه الأنيق والرشيق، والالتفات إلى إشاراته الذكيّة، وعبقريّة البساطة وعمقها، عنده. وقد تصفّحت، أمس، عددًا من مقالات “غبار الأيّام”، واستوقفتني المقالة ” مطلوب ترجمان” التي بناها على خبر لا يصدّقه، وقال” …قرأت أنّ إحدى البعثات العلميّة قامت بجولة استطلاع في أواسط بلاد المنغول فتعرّفت إلى قبيلة عجيبة اسمها تاجوست. وقد تبيّن لها أنّ لهذه القبيلة لغتين- مستقلّة إحداهما عن الأخرى كلّ الاستقلال- يستخدم إحداهما الرجال والأخرى النساء. ويتفاهم الرجال والنساء بواسطة ترجمان!”
وأنا، بدوري، لا أصدّق هذا الخبر، ولكن، مع ذلك أعيد نشر الإعلان” مطلوب ترجمان” مع تعديل طفيف” مطلوب تراجم” بالجمع، لكي يتفرّغ كلّ منهم، وبحسب اختصاصه، إلى إفهامنا ما يجري تحت أنظارنا، وتحت جنح الظلام أو على عينك يا تاجر، ويصعب علينا استيعابه لأنّنا ابتلينا بطبقة سياسيّة تتكلّم لغة لا تناسب عصرنا، ولا تحاكي تطلّعاتنا، ولا تمثّل إلّا مصالحها وجشعها، ولا نثق بها.
“مطلوب ترجمان” ليفهمنا ما إذا كان رياض سلامه مصيبًا عندما أقام هندسات ماليّة، وعوّم المصارف، ووهبها مليارات من عرق جبيننا أو كان مخطئًا، ومرتكبًا.
“مطلوب ترجمان” ليجلو أمامنا الحقيقة، ويقول الكلمة الفصل في ما خصّ استحقاق اليوروبوندز، فهل الدفع أفضل أو الامتناع والتفاوض والتقسيط؟
” مطلوب ترجمان” ليطلعنا على سبب تلكّؤ حكومتنا عن اتّخاذ القرارات في شأن إقفال المطار والمعابر، وإعلان التعبئة، ما سمح لڤيروس كورونا بغزونا وتعريض حياتنا للخطر…
” مطلوب ترجمان” ليفهمنا حقيقة ما جرى في قضيّة العميل عامر الفاخوري( فاخوري غيت) ، ويشرح لنا القطبة المخفيّة فيها.
“مطلوب ترجمان” ليوضح لنا ما هو مصير أموالنا المودعة في المصارف ، وهل تخضع لعمليّة اقتطاع، أو تجميد، أو تسييل بالليرة اللبنانيّة؟ ومتى؟
“مطلوب ترجمان” ليفهمنا إلى متى ننتظر ضبط المرافئ وإقفال مزاريب الهدر، وما المانع من الإقدام على هذه الخطوة مادامت النوايا صادقة والإرادة موجودة؟
” مطلوب ترجمان” ليفهمنا ما سرّ الابتعاد عن ملفّ الأملاك البحريّة.
“مطلوب ترجمان” ليحسم لنا الجدال حول مسألة انتشار ڤيروس كورونا بالهواء من عدم انتشاره.
“مطلوب تراجم وتراجم”، لأنّنا نكلّم المسؤولين بالعربيّ فيجيبون بالتركيّ والصينيّ والفارسيّ…مع تأكيد أنّ الإعلان موجّه للجادّين فقط، وسنرفض طلبات أصحاب اللغة الخشبيّة، والعقول الحجريّة، والتحليلات الخنفشاريّة، والمواقف الزئبقيّة.
“مطلوب تراجم”لا يخترعون حقائق، ولا يروّجون أكاذيب، ولا يتواطأون مع أصحاب النفوذ وحيتان المصارف.
” مطلوب تراجم”يخرجوننا من مستنقعات الانتظار والحيرة إلى شفافيّة الحقيقة.
“مش عم أفهم عربي كتير، قولولي شو يعني ضمير…”
شربل شربل
كاتب وأديب
