قصّة أغنية

“وانا كل ما قول التوبة” – عبد الحليم حافظ

قصتنا في هذا العدد عن أغنية حققت نجاحًا ساحقًا فباتت على كلّ لسان وحديث الناس في المجالس.

عُرِفَ العندليب الاسمر بشغفه المهنيّ وحرصه الدائم على ضمان كلّ ما يبقيه في القمّة فكان لا يبخل على فنه بمجهودٍ او مبلغ بل ينفق الكثير لشراء آلاتٍ موسيقية جديدة وادواتٍ تكنولوجية تسهم في تربّعه على عرش الفن فضلًا عن لجوئه الى أفضل الكُتّاب والملحّنين.

لفت نظر العندليب نجاح الثنائي الشاعر عبد الرحمن الأبنودي والملحن بليغ حمدي. أراد استغلال هذا النجاح لصالحه خصوصًا انّ الابنودي كان ذائع الصيت في الأغاني الشعبية القريبة من القلب وحمدي برع في ابتكار الالحان المميّزة.

وفيما كان الابنودي مجتمعًا بالمطرب محمد رشدي والملحن بليغ حمدي في منزله طرق بابه رجلان ببذلة ونظارات سوداء. ولما فتح لهما صاحا بنبرةٍ حادة: “حضرتك الاستاذ ابنودي؟ اتفضّل معانا”. سأل: “الى اين؟”. اجاباه بحزمٍ: “ستعرف بعد قليل. تفضّل بسرعة”.

انصاع للأوامر باستياء. وقف مودعًا حمدي ورشدي بقلق قائلًا لهما إنه ذاهب لاستطلاع الأمر ولا يعرف متى يعود.

في طريقه الى الوجهة المجهولة تصارعت الافكار داخل رأسه. راح يفكّر بقلقٍ بأن الرجلين يقتادانه نحو أحد المراكز الأمنية. هل بات مخطوفًا؟ ربما أقحم نفسه في ورطةٍ كان بغنى عنها. “لماذا رضيت مرافقتهما؟” حدّث نفسه معاتبًا.

تفاجأ بالرجلين يوصلانه إلى بنايةٍ عصرية في الزمالك بمصعدٍ أنيق استقرّ بهم أمام شقةٍ فاخرة. دخلوا الشقة وهو ما زال جاهلا ماذا يفعل في ذلك المكان.

طلبا منه الاستراحة في الصالون ريثما يصل سيد المنزل. انصاع للطلب على مضض. فكّر بالهروب ولكن كيف يفعل من دون ان يعرّض نفسه للأذى؟ وفيما هو غارقٌ بأفكاره السوداء سأله أحد الخدم إن كان يريد شرب عصير. أجابه بالنفي شاكرًا. بلغ الانزعاج به اشد مبلغ الى أن رفع رأسه فوقع نظره على قامةٍ يعرفها. يعرف هذه السحنة السمراء وهذه الابتسامة الساحرة. “هذا انت يا رجل؟ ما هذه الطريقة المخابراتية المخيفة للقاء بي يا عبد الحليم! لقد خسرت عشرة كيلوغرامات دفعة واحدة يا عديم الرحمة!” صاح الابنودي باستياء. ضحك العندليب ملء قلبه مطمئنًا ضيفه: “آسف، ولكنني اردت بقاء الامر سرًا بيننا. أريد منكَ اغنيةً تليق بي وتحوّلني الى معبودٍ للجماهير”.

استلهم الأبنودي مطلع اغنية “وأنا كلّ ما قول التوبة” من اغنيةٍ فلكلورية صعيدية وكان الفنان محمد الصغير أوّل من غناها بالمطلع نفسه ولكن بلحنٍ مختلف وأدّت الاغنية كذلك الفنانة ليلى مراد في أحد الافلام السينمائية والطفلة “فيروز” بطلة فيلم “دهب”.

لحّن بليغ حمدي الأغنية بإيقاعاتٍ ونغمات أوروبية واضحة تعلو فيها أصوات الآلات الدخيلة على الموسيقى العربية، مقدمًا مزيجًا غير مألوف من اللهجة الصعيدية الشعبية واللحن الغربي. وتقول الأغنية:

أنا كلّ ما أقول التوبة يا أبويا

ترميني المقادير يا عين

ترميني المقادير يا عين

وحشاني عيونه السودة يا أبويا

ومدوّبني الحنين يا عين

متغرّب والليالي يابويا

مش سايباني في حالي يا عين

والرمش اللي مدوّبني يا بويا

ضيعتو وانا كان مالي يا عين

وفور تسجيل الأغنية حققـت نـجاحًـا باهــرًا وبات الجمهور يطلبها بإلحـاحٍ مِن الــعندليب في حفلاته كلّها.

 

BEIRUT CULTURE
Website |  + posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى