هيدي لامار… جميلة هوليوود التي اخترعت المستقبل

تخيّل امرأة يتوقف الزمن حين تطلّ على الشاشة، تسحر الأنظار بابتسامتها، وتأسر القلوب بجمالها الذي لا يُضاهى؛ ثم، بعيدًا عن الأضواء، تنسلّ إلى زاوية هادئة، تغوص بين معادلات معقدة ومخططات هندسية، تحاور الفيزياء كما لو كانت لغة ثانية. هذه ليست بطلة رواية أو أسطورة من وحي الخيال؛ إنها هيدي لامار، النجمة التي جمعت بين سحر هوليوود وعبقرية العلماء.
وُلدت هيدي في قلب النمسا عام 1914، وعلى الرغم من صغر سنّها، كان واضحًا أن لهذه الفتاة قدرًا استثنائيًا ينتظرها. سرعان ما لفتت الأنظار في أوروبا، بجمالها الأخّاذ وموهبتها التمثيلية، قبل أن تحطّ رحالها في عاصمة السينما العالمية، هوليوود، وتصبح إحدى أيقونات الشاشة الذهبية في أربعينيات القرن الماضي.
لكن خلف تلك العينين الساحرتين، وتحت بريق فساتين السهرة وأضواء الكاميرات، كانت تخفي روحًا مشاغبة، ترفض أن تُختزل في لقب “أجمل امرأة في العالم”. هيدي كانت تعرف أن الجمال، مهما سَحر، يبهت أمام عبقرية الفكر.
بينما كان العالم يحتفل بصورها على أغلفة المجلات، كانت هي، ليلًا، تحوك أفكارًا أعقد من أدوارها السينمائية، ترسم مخططات، وتحلم بابتكارات لم تكن لتخطر على بال أحد. ومع بداية الحرب العالمية الثانية، لم تكتفِ هيدي بالمشاهدة من بعيد، بل قرّرت أن تسهم بعقلها، لا بجمالها فحسب.
بمساعدة الموسيقي جورج أنثيل، اخترعت هيدي تقنية “القفز الترددي”، وهي طريقة عبقرية لتشفير الإشارات اللاسلكية ومنع العدو من اعتراضها، بهدف حماية الطوربيدات الأمريكية من التشويش النازي. الفكرة كانت متقدّمة جدًّا على زمنها، حتى أن الجيش لم يُدرك حينها قيمتها، لكنها لاحقًا شكّلت حجر الأساس لتقنيات البلوتوث، والواي فاي، والـ GPS… تلك التي تُسيّر عالمنا اليوم.
يا لسخرية القدر… العالم الذي صفق لجمالها على الشاشات، لم يُدرك يومًا أن تلك المرأة نفسها هي من مهدت الطريق لعصر الاتصال اللاسلكي، الذي نعيشه بكل تفاصيله الآن.
هيدي لامار لم تكن مجرّد وجه جميل أو نجمة سينمائية؛ كانت امرأة من زمن المستقبل، تحمل في عينيها سحر هوليوود، وفي عقلها مفاتيح عصر التكنولوجيا. امرأة كتبت اسمها في تاريخين متوازيين: تاريخ يُبهر العيون، وآخر يُدهش العقول.