غرائب

ريتشارد باركر… قتلوه وأكلوه مرّتيْن

في العام 1838، خطّ إدغار آلان بو بريشته قصةً تقشعر لها الأبدان، قصةً من نسج الخيال، تُروى في روايته “حكاية آرثر غوردون بيم”. هناك، في أعماق المحيط، وعلى ظهر سفينةٍ تائهة، يرسم بو لوحةً قاتمة لبحّارةٍ تحطّمت سفينتهم، فتقطّعت بهم السبل، وأحاط بهم الجوع إحاطة الموت بروحٍ تحتضر. ومع تفاقم العوز واليأس، لم يجدوا مهربًا إلا في أبشع ما قد يفعله إنسانٌ بإنسان: أكل لحوم البشر. وكان صبيّ المقصورة ريتشارد باركر الضحية.

وبعد مرور ما يقارب نصف قرنٍ، وتحديدًا في العام 1884، وقعت حادثةٌ حقيقية هزّت العالم وأذهلته بتفاصيلها. فقد تحطّمت سفينة تُدعىMignonette، وتاه طاقمها في عرض البحر، فتخبّط أفرادها بين جوعٍ وخوف، على نحوٍ يشبه تمامًا ما خطّه بو في خياله. ومع غياب الأمل، ارتكب الطاقم الفعل الرهيب ذاته فقتلوا صبي المقصورة وأكلوه والغريب أنّ اسم الفتى كان أيضًا ريتشارد باركر!

قال بو إنّه نسج حكايته من وحي الخيال. لم يكن يعلم أنّ خياله سيتجسّد واقعيًا بتفاصيله المرعبة. حيّرت هذه المصادفة المؤرّخين وأربكت عقول العارفين، وألقت بظلالها الثقيلة على صفحات الأدب والتاريخ.

هل استشرف بو ما لا يُستشرف، أم كان القدر يسخر منّا بلعبةٍ قاسية، كتب فصولها خيالُ كاتبٍ ثم ترجمها الواقع؟ مهما كانت الإجابة، فإنّ اسم ريتشارد باركر لم يعد اسمًا عابرًا بل أصبح رمزًا يتردّد في أروقة الرعب، ويطفو على سطح الغموض كصرخةٍ تتردّد في قلب البحر.

BEIRUT CULTURE
Website |  + posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى