الفنان العالمي رافي توكاتليان: أعمالي “رسائل” هاجسٌها الطبيعة

انقر هنا لقراءة المجلّة
هو من أبرز الأسماء في المشهد الفني المعاصر بلبنان وعلى الساحة العالمية. تتميّز أعماله، سواء كانت لوحات أو منحوتات ضخمة، ببصمتها الفلسفية ورسائلها الإنسانية العميقة، مبتعدةً عن الجماليات الزخرفيّة البحتة. في هذا الحوار الخاصّ مع مجلّــة Beirut Culture، يــحكـي الفنان التشــكيلي والنحـات اللـبنانـي – الأرمني رافي توكاتليان عن بداياته وفلسفته وعلاقته الوطيدة بالطبيعة، وتأثير الأزمات اللبنانية المتتالية على فنّه وحياته.
أخبرنا عن البدايات وموهبة الرسم والنحت لديك.
لا شكّ في أنني ورثتها بالجينات، اذ كان جدّي ووالدي يمارسان الرسم بعد العمل من باب الترفيه. حين كنت صغيرًا، كان جدي – برغم شللٍ أصاب يده – يُمسك بيدي ليعلّمني الرسم. نحن الأرمن بارعون بالفنّ، وجذوري تجعلني فنانًا بالفطرة طبعًا. الفارق هو أنني احترفت الرسم والنحت كمهنة، فهما ليسا مجرّد هواية بالنسبة إليّ، بل نمط حياة، خصوصًا أنني مهندس أساسًا، وقد نقلتُ هذه الجينات الى بنتَيْ.
هل في جمعك الهويتيْن اللبنانية والأرمنية ميزة إضافية؟
أنا لبناني أولاً من أصول أرمنية. الميزةُ هي في جمعي جمال بلديْن وعراقة شعبيْن تألّقا بالفنّ واشتهرا بصلابة الإرادة والصمود رغم المشاكل كلّها.
بمَن تأثّرت عالميًا؟
في صغري كنت أحبّ عصر النهضة كثيرًا. تأثّرت وما زلت بليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو. وكنت أكتب بالمقلوب مثل دافنشي لأثير إعجاب الفتيات في المدرسة وما زلت حتى اليوم أكتب بهذه الطريقة. تأثّرت لاحقًا ببيكاسو ودالي، لكن دافنشي ومايكل أنجلو هما الأساس، فقد رفعا الفنّ إلى القمة.
فهمنا الآن لمَ اخترتَ العيش في منطقةٍ نائية.
نعم، لأنني هنا في قلب الطبيعة. فالعيش في الجبل هو جزءٌ من تكويني الجيني، فأجدادي كانوا يعيشون على ارتفاع ألفيْ متر. مسكني هنا هو ملاذي الآمن مع أنّ زحف الاسمنت يتمدّد للأسف الى المحيط حولي من سنةٍ الى أخرى.
أيّ مكانٍ يلهمك أكثر للرسم؟
هنا، في قلب الطبيعة. ولعلّك تستغربُ إن قلتُ إنّ أكثر أفكار رسـومـي تأتيـني وأنـا فـي الـطائــرة، ربـما لأنّ لا أحــد يزعـجـنــي، اذ لا هـاتــف ولا واجبات اجتماعية، وكلّما طالت المسافة شعرتُ بسعادةٍ أكبر.
لا أختارُ الافكار بنفسي بل هي تختارني كي تتجسّد بواسطتي
وكيف تستوحي منحوتاتك؟
أتعجّب أحيانًا كيف تخرج الأفكار التي أرسمها من رأسي. لكن في أغلب الوقت يأتي الإلهام في حالةٍ أكون فيها بين الحلم والواقع. أبدأ بالرسم ثم أحوّل الرسمَ الى منحوتة. لا أختارُ الافكار بنفسي بل هي تختارني كي تتجسّد بواسطتي.
هل يلقى هذا النوع من الأعمال رواجًا؟
أنفّذ 95% من أعمالي وأنا عالم أنّني لن أبيعها، ولكني انتهي ببيعها في نهاية المطاف.
لا تسألني كيف ولماذا ولكن هذا ما يحصل.
عرضت أعمالك عالميًا. أيّ جمهور وجدته أكثر تقديرًا للفن؟
عرضتُ في كثيرٍ من البلدان. برأيي جمهور طوكيو وموسكو عشاقّ فنّ من الطراز الرفيع، خصوصًا حين يحمل رسائل قوية. طوكيو تحديدًا فريدة من نوعها لأنّك تلمس لدى شعبها احترامًا لمعظم الأمور ومن يزورها يدركُ الفرق الشاسع بينها وبين غيرها.
كأنّنا ما عدنا نراك في المعارض الفنية.
شخصيًا لا يهمّني البيع ابدًا، كما قلتُ سابقًا، والمعارض الحالية تبحث عمّا هو رائجٌ تجاريًا، وهي تجمع الفنانين انطلاقًا من ذلك. وتلك برأيي نهاية الفنان. فالفنان الحقيقي يجب أن يكون حرًا لينفّذ كلّ ما يدور في رأسه من دون أن يفكّر بالبيع، فهو لا يعمل إلا لأفكاره.
أين نرى أعمالك إذًا؟
أخطّط لبناء متحفٍ خاص بي. شاركتُ بكثيرٍ من المعارض في السنوات العشرين الماضية وحان الوقت للانتقال الى مرحلةٍ جديدة.
ألم تكن تملكُ معرضك الخاص في بيروت، ماذا حصل له؟
تدمّر معرضي بالكامل بعد انفجار الرابع من آب. لحُسن حظي أنّني كنت بعيدًا. خسرتُ الكثير من الأعمال، ولكن ذلك لا يهمّ أمام هول الخسائر البشرية. كأنّ الانفجار حصل بداخلنا، وتلك مرحلةٌ مأساوية لا يمكن نسيانها.
هل لديك مشاريع جديدة؟
لديّ مشاريع جديدة ولكنني لا أستطيع الكشف عنها الآن. كلّ ما يمكنني قوله هو انّ معرضي الجديد يدور حول فكرة تدميرنا للكوكب وعودة الكائنات الفضائيّة لإنقاذنا.
إلى أيّ مدى تؤمن بهذه النظرية؟
(يضحك) غير معقول أنّنا وحدنا في العالم. لا نمثّل نحن حتى ذرّة غبار في هذا الكون الفسيح. نحتاج الى ملايين السنوات الضوئيّة لقطع مسافةٍ بسيطة من هذا النظام الكوني. انا مؤمنٌ بأنّنا لسنا وحدنا وبأنّ البشر لم يكونوا متطوّرين في الماضي، وساهمت كائناتٌ فضائية في تطويره وبناء حضارته. لم تكن هناك كتابة في الأزمان الغابرة لتوثيق الأمر، فتحدّث البشر عن وجود هذه الكائنات بالرسم والنحت.
لديك مجموعة من راديوهات “الترانزستور” القديمة، ما قصتها؟
جمعتُها على مرّ السنين لأنني أحبّ الأشياء القديمة التي تسمى بالـ Vintage.
كيف تأثّرت بمرحلة كورونا كفنان؟
لم أتلقَّ اللقاح كغيري. بصراحة، مع أنني آسفٌ لحصد هذا الداء كثيرًا من الأرواح، إلا أنني أعتقد أن 95% من كوكبنا “ارتاح” من البشر في تلك الفترة. لو أصابنا “كورونا” كلّ سنة من دون أن يموت أحد لكان ذلك جيدًا.
ماذا عن الأزمة الاقتصادية واحتجاز أموال المودعين؟
تأثّرت كثيرًا كمعظم اللبنانيين. كلّ سنوات الجهد ذهبت سدىً بين ليلةٍ وضحاها. حرمونا أن نرتاح في آخر العمر بسرقة أموالنا. كنت أخطّط لتحويل كثيرٍ من رسومي إلى تماثيل لأجد نفسي فجأة مضطرًا للعمل المضني لتأمين قوتي.
إلام يحتاج لبنان ثقافيًا؟
الى “كائناتي الفضائية” (يضحك). سمّها ما شئت، قد تعتبر أنّ كائناتي تمثّل الأمل. يا ليت هذا الأمل يأتي قريبًا ويخلّصنا.
ما الذي يمنعك من الهجرة خصوصًا أنّك تستطيع السكن حيثما تريد؟
رغم أسفاري كلّها وجولاتي في مختلف بقاع الأرض أجد أنّ وطني لبنان أجمل بلدٍ يمكنني العيش فيه ولا أستطيع مغادرته. هذا بلدي وما ينبغي تغييره هو عقليّة الناس والتركيز على التربية لبناء أجيالٍ صالحة تحترمُ الطبيعة والكائنات الأخرى.
وماذا تطلبُ من وزير الثقافة؟
أن يستنسخ تجارب أوروبا، أو أميركا، أو اليابان الفنية. فلنراقب ما يفعلونه بالساحات العامة، وكيف يعملون مع المهندسين والرسامين والنحاتين لتجميل البلاد ونستورد هذه الطرق والتقنيات لتنفيذها في لبنان.





