“طربوش جدي معلق” مع جنيد زين الدين ومروى خليل كوميديا البقاء ودراما الرحيل

إذا كنت من محبي ذكريات الأحداث اللبنانية، ستعيدك مسرحية “طربوش جدي معلق” بالزمن لتربطك بالحاضر. ليس العمل مجرّد دراما عاطفية، بل هو تحليل معمّق لتداعيات الأزمات اللبنانية المتتالية على الفرد والمجتمع. يقدّم العرض سردًا للواقع اللبناني منذ عام 1980 حتى يومنا هذا، ويقدم قصصًا متوازية لشخصيتيْن رئيسيتيْن، حلا وإبراهيم، اللذين يمثلان مساريْن مختلفين في التعامل مع النزوح والانفصال عن الوطن.
تستعرض المسرحية سلسلة أحداثٍ محورية في تاريخ لبنان المعاصر بسلاسة، بدءًا من الحرب الأهلية وتقسيم البلاد، مرورًا بالحروب المتتالية على الجنوب مثل “عناقيد الغضب” في عام 1996، وانتهاءً بيوم التحرير في عام 2000، ثم انسحاب القوات السورية، وصولاً إلى الأحداث الأخيرة مثل ثورة 17 تشرين الأول، وانفجار مرفأ بيروت، وأزمة المودعين وانهيار العملة. ما يميز المسرحية هو قدرتها على عرض هذا الواقع المرير بأسلوب غير تقليدي، يمزج ببراعةٍ بين الكوميديا الساخرة والدراما العاطفية.
يبدع جنيد زين الدين ومروى خليل في تجسيد شـخصيـتـي إبــراهــيم وحــلا، مستعرضين الهواجس النفسية والتناقضات بين المهاجر والمقيم. فحلا، التي تؤدي دورها خليل، تمثل نموذج المهاجر، وتكشف ببراعة عن الاضطراب النفسي الناتج عن قرار الرحيل، وشعورها باللاانتماء وعدم القدرة على التكيف مع حياتها الجديدة. كانت الخليل مرحة كالريشة على المسرح، تبهرك بسرعة تبديل المواقف. وبدت متصالحة مع نفسها، خصوصًا أنّ المسرحية تشكّل امتدادًا متينًا لمسيرتها الفنية.
بالمقابل، يقف إبراهيم، الذي يجسد دوره زين الدين، كرمز للمتمسّك بأرضه. وكان زين الدين رصينًا وواثقًا في أدائه مبدعًا في مزجه الجدية بالكوميديا. ويشكّل هذا التناقض بين الشخصيتين جوهر العمل، حيث تروي قصة المسرحية العاطفية والمأساوية، حكاية كل لبناني هجر أرضه أو تمسّك بها رغم هجرة معارفه.
ويُظهر الإخراج، الذي تولاه رياض شيرازي، حرفية عالية في خدمة السرد الدرامي. وساهمت السينوغرافيا وتصميم الإضاءة في توضيح السياق المكاني والزماني، وهو ما ساعد على تتبع مسار الأحداث وتطور الحالات النفسية للشخصيات وأنتج تناغمًا بين الأداء التمثيلي والعناصر الفنية، فتمكّن الجمهور من متابعة القصة من دون تشتيت.
يرمز “طربوش الجد” إلى مسؤولية الحفاظ على الهوية والتاريخ، حتى في ظل أصعب الظروف. اذ تتجلّى العبرة في الأمل الذي تقدمه، وهو أن اللبناني، مهما ابتعد عن أرضه، سيجد في النهاية أهله وحبه الحقيقي بانتظاره، الأمر الذي يمنح العمل بعدًا إيجابيًا عن عودة الروح الوطنية والحياة إلى طبيعتها.
وكان تفاعل الجمهور مع الممثلين والعمل خير دليل على نجاح المسرحية، اذ عجّت الصالة بالحضور، ولم يهدأ التصفيق طوال العمل، فامتزجت الضحكات بالدموع، ودقت القلوب فكانت الأمسية تجربة حقيقيةً نابضة بكلّ ما للكلمة من معنى.