حين همست ليال… وغنّت فيروز

في صباحٍ دافئ يطلّ على بحر بيروت، جلس الموسيقار عاصي الرحباني قرب نافذةٍ تعانق الأفق، وابنته ليال، ذات الست سنوات، تلفّ ذراعيها حول ركبتيْه وتحدّق في الأفق اللامتناهي. في لحظة صفاء، ابتسم وسألها برفقٍ: “قدّيش بتحبيني يا بابا؟”
أمالت رأسها الصغير، وأجابت بعفوية الطفولة: “شايف البحر شو كبير؟”
ردّ عليها مبتسمًا: “كبير كتير…”
فأكملت، وعيونها تتلألأ بحبٍ صافٍ: “كبر البحر بحبك… وشايف السما شو بعيدة؟ بعد السما بحبك.”
تجمّد عاصي. لم تكن مجرّد كلمات، بل نغمة ولدت في لحظة صدق، لحظة لا تُشترى ولا تُعاد. سارع إلى تدوين تلك الجملة النادرة، وكأنه يخشى أن تفرّ منه، كحلمٍ لا يُعاد عند الاستيقاظ.
وما هي إلا أيام، حتى شكّل منها أغنيةً خالدة بصوت السيدة فيروز، أغنية تفيض حبًّا.
وعندما عرض عاصي على فيروز كلمات الأغنية، سالت دمعة لم تكن عادية. شعرت فيروز وكأنّ الكلمات تتنبأ، وكأنّ الحب الذي نطقته ليال يحمل وجعًا آتيًا. همست له: “زياد هو العمر… وهالدمعة من الزهر، وبناتنا هنّ مواسم العصافير”.
مرّت السنوات، وظلت الأغنية تغنّى وتُحبّ، لكن ليال التي أشعلت شرارتها، رحلت وهي في ربيعها الثامن والعشرين، بانفجارٍ في الدماغ هو المرض نفسه الذي أخذ والدها عاصي قبلها. وكأنّها كانت تعرف، وكأنّها غنّت لتخلّد حبًّا لا يموت.
هكذا، صارت كلمات أغنية “شايف البحر شو كبير”أكثر من لحنٍ جميل. صارت حكاية… وصار البحر شاهدًا على حبّ لا تُطفئه المسافات، ولا الموت.
شايف البحر شو كبير، كبر البحر بحبك
شايف السما شو بعيدة، بعد السما بحبك
كبر البحر وبعد السما، بحبك
يا حبيبي، يا حبيبي، يا حبيبي بحبك
نطرتك أنا، ندهتك أنا، رسمتك على المشاوير
يا هم العمر، يا دمع الزهر، يا مواسم العصافير
نطرتك أنا، ندهتك أنا، رسمتك على المشاوير
يا هم العمر، يا دمع الزهر، يا مواسم العصافير
ما أوسع الغابة، وسع الغابة قلبي
يا مصوّر عبابي ومصوّر بقلبي
***
شايف البحر شو كبير، كبر البحر بحبك
شايف السما شو بعيدة، بعد السما بحبك
كبر البحر وبعد السما، بحبك
يا حبيبي، يا حبيبي، يا حبيبي بحبك
نطرتك سنة ويا طول السنة واسأل شجر الجوز
شوفك بالصحو، جاي من الصحو وضايع بورق اللوز
نطرتك سنة، سنة ويا طول السنة واسأل شجر الجوز
شوفك بالصحو، جاي من الصحو وضايع بورق اللوز
ما أصغر الدمعة، أنا دمعة بدربك
بدي أندر شمعة وتخلّيني حبك
وشايف البحر شو كبير، كبر البحر بحبك
شايف السما شو بعيدة، بعد السما بحبك
كبر البحر وبعد السما، بحبك
يا حبيبي، يا حبيبي، يا حبيبي بحبك
![]()