حاز جوائز في المهرجانات العالمية “مشقلب” لعدّة مخرجين لبنانيين… لبنان الغارق في تحوّلاته

في خضمّ الأزمات المتتالية التي ترهق كاهل المواطن اللبناني وتعبث بنسيج المجتمع، يطلّ فيلم “مشقلب” كعملٍ سينمائيّ متعدّد الأوجه، يذهب أبعد من السرد والتوثيق إلى مساءلة الواقع وتفكيك بنيته المهترئة. إنّه عمل جريء لا يتعامل مع الأحداث كمجرّد خلفية، بل يصوّرها منظومةً معقّدة تنعكس بوضوحٍ على تفاصيل الحياة اليومية، في السياسة كما في العلاقات الإنسانية، وفي الألم كما في الضحك.
الفيلم من تأليف لوسيان أبو رجيلي، وبان فقيه، وشاكر بو عبدلله، وأريج محمود، ووسام شرف، ويقسّم على أربعة أعمال قصيرة هي: “المجموعة”، “Motherland”، “لا داعي للهلع”، و”قطعة سما”. وبين اختلاف الأساليب الفنية ووجهات النظر، تنصهر هذه الحكايات لتشكّل بانوراما عن لبنان الغارق في تحوّلاته، حيث تتسلّل مشاعر الحنين، الانعزال، السخرية، وحتى العبث، كآلياتٍ دفاعية تمرّدية في آن. في هذا السياق، تصبح الكوميديا السوداء أكثر من مجرّد خيارٍ فنيّ، بل أداةً تكشف عمق التناقضات وتجعل من الضحك فعلًا وجوديًا في مواجهة العبث.
يقدّم “مشقلب” عدّة تساؤلاتٍ حول العلاقة المُهتزّة بين المواطن والدولة، في ظل إخفاقات بنيوية تتراكمُ منذ انتفاضة تشرين وحتى تفجير المرفأ. وتبرز الفوضى كعنصر بنيوي، لا طارئًا، فيما يواجه اللبناني هشاشة يومياته بسخريةٍ من جهة وبجدّيةٍ وحزمٍ من جهةٍ أخرى.
يعكسُ التعاون بين المخرجين الأربعة باين فقيه، وسام شرف، لوسيان أبو رجيلي، أريج محمود، رؤيةً جماعيّةً واعية، تربط بين الفن، السياسة والنقد الاجتماعي، مع الإصرار على دور السينما الفاعل في تسليط الضوء على المشاكل مهما كان حجمها، والفن كأداة مساءلة لا وسيلة للترفيه فحسب.
تتصدّر البطولة كوكبة من الأسماء اللامعة على غرار منال عيسى، سعيد سرحان، رودريغ سليمان، فرح شاعر، جوزيف عقيقي، يارا أبو حيدر، حنان الحاج علي، شاكر بو عبدالله، ترايسي يونس وغيرهم.. ويقدّم هؤلاء أداءً مفعمًا بالصدق والتحدي، مدعّمًا بإنتاجٍ جماعيّ يقوده بشارة مزنر، مع المخرجة نادين لبكي والموسيقيّ خالد مزنر.
حصد “مشقلب” تفاعلًا جماهيريًا مميّزًا، إذ حاز جائزة “سينما من أجل الإنسانية”، وجائزة “الجمهور”. خلال مشاركاته في مهرجاناتٍ دوليّة مثل: الجونة، باريس، زيورخ، وواشنطن. دفع هذا النجاح شركتي Front Row وEmpire ENTERTAINMENT إلى توسيع نطاقها لتطال أكبر عددٍ ممكن من الجمهور في لبنان والمنطقة.
لا يسعى “مشقلب” إلى تجميل صورة الوطن أو تزييف الواقع، بل يضع الإصبع على الجرح من خلال رؤية شبابيّة تنبض بالحياة والفكر، تبحث دائمَا عن الحقيقة، وأنّ المساءلة هي حقّ كلّ لبناني، وأنّ المقاومة الثقافية ليست خيارًا بل ضرورة وجوديّة وتلك مسلّمة عهد بو رجيلي دومًا على سلوك طريقها مهما اشتدت الضغوطات والتحدّيات. وتصبح مقاومةٌ من هذا الصنف ضرورةً ملحّة خصوصًا حين نعلم أنّ الرقابة اللبنانية رفضت إعطاء إذنٍ لعرض الفيلم إلا بشرط اقتطاع 20 ثانية منه وهو أمرٌ مؤسف لبلدٍ كان في ما مضى يعرف بـ”بلد الحرّيات”.