ناس غير شكل

جون كوفي… دمعةُ عملاق

في زوايا حيٍّ متواضع من شيكاغو، وتحت شمسٍ لا تكترث بمن يكدّ تحتها، كان مايكل كلارك دنكان يحفر الأرض بيديْن تحمل من القوة ما يُدهش الناظر، ومن الوداعة ما يُربكها. رجلٌ يتقاطع فيه الجبل والحلم، ينهض صباحًا ليغرس مجرفةً في التراب، ويقف ليلًا عند أبواب النوادي، لا حارسًا فحسب، بل ظلًّا هادئًا يحمل الطمأنينة.

لم يكن مايكل يعرف حينها أن دمعةً وحيدة، تسلّلت خفية أثناء تجربة أداء، ستحرّك حياةً بأكملها. كان يقف أمام الكاميرا، يحاول أن يتقن ما لم يتعلّمه بعد، وفجأة تذكّر كلّ نظرةٍ جعلته يشكّ في رقّته، كلّ عبارةٍ قيلت له على هامش الحياة: “أنت ضخمٌ جدًا لتكون لطيفًا”. فبكى لا خوفًا، ولا رغبةً في دور، بل لأنّ ذاكرة الطفل الخجول استيقظت.

وفي ذلك المشهد، رآه الممثل بروس ويليس ليس كمجرّد وجهٍ جديد، بل كحقيقةٍ خام، لا تخدع ولا تتصنّع. ومن هناك، وُلد جون كوفي، الشخصية التي ستبكي العالم بلطفها، وتُشعر الناس بأنّ الطيبة ليست ضعفًا، بل معجزة.

لكن مايكل لم ينسَ جذوره. لم تغيّره الأضواء، ولم تحرّفه الشهرة عن مساره. عاد إلى مدينته، وأسّس منحًا دراسية، قدّم صوته للأطفال في الرسوم المتحركة، تطوّع في ملاجئ لا يعرف فيها أحدٌ من يكون. وبصوته العميق- ذلك الذي كان يومًا مثقلًا بالتلعثُم- بات يحكي القصص، كما لو أنّ كلّ كلمة كانت دعاءً للقلوب المُتعبة.

حين رحل في العام 2012، لم يودّع العالم ممثلًا فحسب، بل غادره رجلٌ علّمنا أنّ العضلات لا تحمل القوّة، وأنّ القلب بكامل رقّته يمكن أن يكون أكثر صلابةً من أيّ درع.

BEIRUT CULTURE
Website |  + posts

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى