الكلمة

- عندما يشتعلُ الصّقيع، وتجنُّ العاصفة، وتترنّحُ الأشجارُ في المُنحَنَيات، وتلجأُ الأجنحةُ إلى الكهوف، تأوي النّفسُ إلى زاويتها الصامتة، تحاورها، وتسألها عنِ الرِّحلةِ الجديدة!
- وعندما يتنافسُ القطيعُ، ويرتفعُ صوتُه في كلِّ اتِّجاه، وتتراكمُ قضايا الأُمّةِ في المَتاجر، والدّكاكين، والسّاحات العتيقة، تَعودُ الذاتُ إليها، وهي صامتة، لكنّها تقولُ، وتَعزفُ، وتعشقُ السّفر!
- وعندما تَتَكدّسُ رؤوسُ الأموالِ تِلالاً، ويتسابقُ الجاهيُّون على النُّفوذ، وعلى التلهِّي ببله القطيع يقتاتُ عشباً، ويُحدثُ هَوبرات، تُسرعُ إليَّ كي لا اتمادى في البُكاء، وتحتضنني بأحرفها الدّافئة، وتحميني بثوبها الرّقيق، الشّفّاف!
- وعندما تراني صديقتي الكلمة وحدي، تروحُ تدور من حولي، كما النحلةُ حولَ زهرة، وتحطُّ في حديقتي، وتُسمعني موسيقى المعنى، وتصبغني بالأزرق، بالأبيض، بالأخضر، وتؤنسُ عزلتي، وسكينتي، في أزمنةِ الضجيج، والعجيج، والنَّشيج!
- مَن لم يَذُق نكهتها لن يُدركَ نشوةَ الحياة، ومَن لم يتنسّم نفحاتها لن يحمله الشّوقُ إلى الغرابة المُباركة، ومَن لم يساهرها، ويُغامر معها، لن يرى قلبُه حرارةَ الجمال، أو بهاءَ الحَقِّ، أو حرّيّةَ الطّيرانِ فوقَ هزليّاتٍ مُضحكةٍ، تافهةٍ، تُرابيّةٍ، هَباء!
أَنهى الكفاءَة في اللّغة العربيَّة وآدابها في كليّة التربية- الجامعة اللبنانية، أَواسط السبعينيَّات، والدكتوراه في الجامعة اليسوعيّة ثمّ اللبنانيَّة، أَواخر الثمانينيَّات. مارس الصِّحافة الثقافيّة في جريدتَي النَّهار والحوادث. وعلّم في كليّة الآداب، الجامعة اللبنانيّة. ولا يزال يشرف على طلّاب الماجستير والدكتوراه. وهو من الأَقلام الأصيلة والحديثة معاً. أَنتج ستّين كتاباً في النقَّد الأَدبيّ والقصَّة والرّواية والشّعر. وشدّد في نقده على عمق الدَّلالة وسَعة الفضاء ووهج الجمال، واستمدّ معظم قصصه ورواياته من بيئة الرِّيف اللّبنانيّ، ومن التحوّلات التي تفرضها تمدّدات المدن، وإيقاعات الحضارة، والحداثة. أَمّا شعره فصوفيّ، غنائيّ، مشرقيّ، يستمدّ من شمس الشرق دفئها، ومن روحانيّة الشرق غناها، ومن التنوَّع الفكريّ المتفتّح، والحوار والتَّفاهم وقبول الآخر، والبعد عن الكراهية والتسلّط الثّيوقراطي الأَعمى!