الكتابة – ربيعة أبي فاضل

كالمرأة الساحرة لا تلينُ تَلقائيًّا، لا تتعرّى من عليائها، لا تأنسُ بكلِّ التخييلات، والتاويلات، وتفرضُ مهرَها صعبًا، ويكادُ يكونُ مُستحيلًا، لكنّها متى اطمأنّت، تركت حنانها، وكرمها، يتدفّقانِ، يُرويانِ الزّمانَ، والمكانَ ، والإنسان!
- هيَ الجميلةُ، البعيدة، المُشعَّةُ، الدَّافئةُ، تُحاورها فتُصغي، وتَتغزَّلُ بها فَتَنتشي، وتُلبسها الزهر، واللّحنَ، والأبيضَ..فتطلَّبُ المَزيدَ منَ الألوان، وعندما تسهرُ اَو تُسافرُ، أَو يزورُكَ ألمٌ أو حلمٌ، ويزورُكَ وجهٌ أو روحٌ، تراها تقترب من جزيرتها، وترتمي بينَ يديك بهيّةً، باقةَ زنبقِ من وادٍ عميق!
- وتراها، لَمّا تكونُ وَحيداً، ويحوطُ بكَ الغياب، وتجلس الوحشةُ على مائـدتـكَ، ويتـسـرّبُ صـقيعٌ غـريبٌ في فــراشك، تــخـترقُ الجُدرَ، والفضاءات، والجبال، والمسافات، ولا تُبالي بتعبٍ، ولا بتردُّدٍ، حتى تطمئنَّ في حقل العبارات العاشقة، المُشرقة، الخارجة من رحمِ الشّمس!
- وهناك، تتبدّلُ الطبيعة، وتنهزمُ المرأة، وتنكسرُ المادّةُ، وتتلاشى الرّغبات، ويَنهشها السّراب، وتُفرَغُ قيمُ الوفـاء مـن نِـعَمِ الماءِ، والرّجاء، وتعودُ الدّنيا إلى رمادها، في حين تزدادُ الكتابةُ _ الفَنُّ المُعجزُ شغفًا بيدكَ، بعَينـكَ، بنَـفَسِـكَ، بـجنـونكَ، بـصمـتكَ، وبـكلِّ التّأوّهات تصاعدُ من قلبكَ المُتوحِّد، من حديقتكَ حيثُ يَغفو الرّبيعُ طفلاً في حِضنِ أمّه الكلمة.
- إنّها إذًا، وحدها تتسيّدُ على القلبِ لتُحرِّرَهُ، وتُرافقُ الروح لترتقيا معاً، ولا تحيا إلّا بالدَّهشة، والسّكينة، والغلال التي لا تجوع، والأعالي لا تعرفُ الدّموع، والشِّعرِ يُحلِّقُ وحيدًا، أبعدَ من العبارات، والمعاني، والصّور، وأنـاشـيدِ الــمـطر… أبـعـد مـن هـذا الجيل التّكنولوجي الذي شَوّه الحياة، وتغرّب عنِ الحَقّ، وصار آلةً باردةً كحجرٍ يُصَلِّي!
أَنهى الكفاءَة في اللّغة العربيَّة وآدابها في كليّة التربية- الجامعة اللبنانية، أَواسط السبعينيَّات، والدكتوراه في الجامعة اليسوعيّة ثمّ اللبنانيَّة، أَواخر الثمانينيَّات. مارس الصِّحافة الثقافيّة في جريدتَي النَّهار والحوادث. وعلّم في كليّة الآداب، الجامعة اللبنانيّة. ولا يزال يشرف على طلّاب الماجستير والدكتوراه. وهو من الأَقلام الأصيلة والحديثة معاً. أَنتج ستّين كتاباً في النقَّد الأَدبيّ والقصَّة والرّواية والشّعر. وشدّد في نقده على عمق الدَّلالة وسَعة الفضاء ووهج الجمال، واستمدّ معظم قصصه ورواياته من بيئة الرِّيف اللّبنانيّ، ومن التحوّلات التي تفرضها تمدّدات المدن، وإيقاعات الحضارة، والحداثة. أَمّا شعره فصوفيّ، غنائيّ، مشرقيّ، يستمدّ من شمس الشرق دفئها، ومن روحانيّة الشرق غناها، ومن التنوَّع الفكريّ المتفتّح، والحوار والتَّفاهم وقبول الآخر، والبعد عن الكراهية والتسلّط الثّيوقراطي الأَعمى!