مقالات

أليس إده: “مشوار الفن” مشروعي لإعادة النبض الى “بيبلوس”

هي سيّدة التفاؤل وصاحبة المشاريع التي لا تنضب. اقترن اسمها بعشقها العميق للثقافة والفنون وبجهودها الحثيثة لتعريف العالم الى مدينة جبيل (بيبلوس)، أقدم المدن المأهولة عالميًا. من حبّها لبيبلوس، إلى إصرارها على دعم الحرف التقليديّة والمواهب الفنيّة، الى رغبتها الشديدة في إعادة مدينة الحرف الى الخارطة السياحيّة، تتأكّد أنّك في حضرة امرأةٍ استثنائية. وتعود إلينا أليس إده اليوم وفي جعبتها مشروعٌ مبتكرٌ جديد بعنوان “مشوار الفنّ في بيبلوس”، يجمع بين الإبداع الفنيّ والتجربة السياحية الفريدة.

كيف تودّين التعريف عن نفسِك؟

أنا سيّدة أميركية كَتب لها القدرُ أن تحطّ رحالها في لبنان، كونها فضوليّة لكلّ ما يُعنى بالثقافة والتاريخ والفنون عمومًا. قصدتُ لبنان كسائحة قبل خمسين عامًا ثم اتّخذته موطنًا ثانيًا بعدما وقعت في غرام زوجي المحامي روجيه إدّه. ما إن وقعت عيناي عليه أدركتُ أنّه “رجلي” فشاركتُه حبّه لوطنِهِ وانهمكتُ في اكتشاف ثقافة بلاد الأرز وعاداته وتقاليده ومأكولاته وكان ذلك عشقًا إضافيًّا بالنسبة إليّ.

هل تجدين صعوبةً في العيش بلبنان كأميركيّة؟

لبنان بلدٌ صغير بحجمه كبيرٌ بتعدّد ثقافاته. يُسحرني تنوّعُ العادات والتقاليد فيه، وقد أخذتُ على عاتقي منذُ سكنتُ في بيبلوس تعريف الأجنبيّ الى مواطن الجمال فيها بمختلف الطرق والوسائل. كان عليّ أن أنقل عشقي لها الى الآخرين كي يتمتّعوا مثلي بجمالها الساحر. فالأجنبيّ، وحتى بعض اللبنانيّين، لا يدركون فعلًا مدى غنى هذه المنطقة التي تعجّ بالتاريخ والآثار، وتتميّز بمطبخٍ غنيّ بمذاقاتٍ منوّعة تتغيّر على اختلاف البقعة الجغرافية. وكوني أميركيّة ما كنتُ أجيدُ الاستكانة، فأنا بِطبعي عصامية ولديّ صفاتٌ تدفعني نحو المغامرة أهمّها التصميم، فإن عقدتُ العزمَ على فكرةٍ نفّذتها مِن دون تردّد حتى لو استغرق الأمرُ وقتًا طويلًا. ثم إنني اعتبرُ نفسي اليوم لبنانيةً بقدر ما أجدُني أميركيّة، فلقد اكتسبتُ لبنانيّتي بحُكم السنوات الطويلة التي قضيتُها هنا، وبيبلوس بيتي، ومسقطُ رأس نصفي الثاني وموطن أصدقائي ومعارفي.

هي إذًا جزءٌ منّي وأنا جزءٌ منها، وأنا أحبّها بكلّ جوارحي.

 

وتترجمين حبّك لها بمشاريع تجذب إليها السيّاح.

هذا هدفنا الأساسي في كلّ ما نفعله أنا وزوجي. فنحنُ نريد المساهمة في تطوير المدينة وتحويلها إلى مقصدٍ سياحيّ مِن الطراز الرفيع. وهكذا افتتحنا مقهًى، ثم مطعمًا ثم منتجع “إدّه ساندز”، ثم مجموعةً مِن المتاجر الصغيرة. وأردنا بذلك أن يتمتّع السيّاح بتجربةٍ فريدة، فيجدون في بيبلوس كلّ ما هو لازمٌ لقضاء وقتٍ ممتعٍ في أزقّتها العريقة وشوارعها العابقة بالتاريخ والغنيّة بالآثار. وطبعًا حافظنا على الإرث والطابع اللبناني في كلّ ما فعلناه.

 

ألهذا السبب تركّزين على الإرث اللبناني والحِرَف التقليديّة في المنتجات التي تحملُ اسمك؟

نعم. أركّز على الحِرف والمنتجات اللبنانية الصرف لأنّني مؤمنة بضرورة دعم ما يُصنَع في لبنان وليس ما يُستورد مِن هُنا وهناك، خصوصًا أنّ المنتج اللبناني لا يقلّ نوعيةً عن الأجنبيّ. لذا تجدني لا أبحث إلا عن المصمّمين المحلّيين الذين يستخدمون المواد المحليّة وليس تلك المستورَدة مِن تركيا أو الصين. أدقّق كثيرًا في الفنان أو الحرفيّ الذي أعرض أعماله في متاجري لأتأكّد مِن أنّ المواد المُستخدَمة لِصناعة المُنتج لبنانيّة صرف، وبالتالي تجدون في متاجري كافة أنواع المنتجات المحليّة العالية الجودة مِن صابون، الى سِلل، الى أكواب وأواني وأقمشة، وصولًا الى المأكولات والتوابل، وكلّها لبنانية المنشأ والإنتاج وأقول ذلك بفخرٍ واعتزاز. فكّرتُ في إنشاء متجرٍ للمونة والتوابل لأنني أحبّ الأرض والحديقة فأنا أهوى استخدام البذور والمنتجات الطازجة مباشرةً من حديقتي فهي حياتي، وهي مصدر البذور التي نبيعها في متجري على مختلف أنواعها، وإنتاجُنا متنوّع حتى أنّنا نصنعُ العسل.

وهل يُقبل الناس على شراء الأعمال المصنوعة محليًّا؟

طبعًا خصوصًا حين تكون الأسعار منطقية. لا تنبغي زيادة الأسعار بحجّة أنّ العمل اليدويّ يتطلّب جُهدًا كبيرًا. لن ننجح ببيع المنتج بهذه الطريقة، وهو أمرٌ يفعله البعض في لبنان، فإذا اشترينا منتجًا شبيهًا في أوروبا أو أميركا مثلًا يكون السعر أرخص. ليس ذلك مقبولًا. الأسعار في متاجري منطقية بعيدًا عن المبالغة.

ولم تنسي الكتاب في كلّ مغامراتك.

طبعًا لا. في العام ٢٠٠٤ افتتحتُ مكتبةً باسم “لبنان جبران”. إنّها باختصار لبنانُ جبران، لبنان الجميل تمامًا كما أراده جبران وأعرض فيها كلّ ما نُشر عن بلاد الأرز وأعمال مؤلّفيه باللغات المختلفة.

لقاؤنا اليوم هو للحديث عن مشروعِك الجديد Art Walk Byblos (مشوار الفنّ في بيبلوس)

تنطلق فكرتي مِن رغبتي الشديدة في إعادة بيبلوس الى خارطة السياحة، أريدُ إيقاظ “الجميلة النائمة” وإعادة النبض إليها.

اقترحت صديقةٌ لي أثناء زيارتي الأخيرة الى واشنطن التسوّق معًا في وسط المدينة. قصدنا متجرها المفضل، وبينما كنا نهمّ بدخوله بادرتني سيدةٌ لطيفة بالقول: “ما رأيكما في الاطلاع على أعمالي قبل التسوّق؟”. “وما هي أعمالك؟”، سألتُها. “أنا مصوّرة. أصوّر الخيول”، أجابتني بابتسامةٍ عريضة. “وماذا تفعلين في هذا المتجر إذًا؟” سألتُها مستغربةً. “أنا جزءٌ مِن مشوار الفنّ”، ردّت، ثم تابعت: “تقوم الفكرة على عرض أعمال الفنانين بمتاجر مختلفة ببقعةٍ جغرافيةٍ واحدة، فيتنزّه المتسوّقون مِن متجرٍ الى آخر، ويتعرّفون الى فنانين مختلفين. أعجبتني الفكرة فحملتُها الى لبنان، وهكذا ولدَتArt Walk Byblos . وحرصتُ على اختيار المتاجر الصغيرة التي غالبًا ما لا يلاحظ الناس وجودها لأنّ أصحابها لا يجيدون إحداث الجلبة بل يعملون بصمتٍ بعيدًا عن الأضواء.

 

كيف اخترتِ الفنانين المشاركين؟

اخترتُ مصمّمين وفنانين مميّزين، وعدد المشاركين مِن فنانين وجهاتٍ ثقافية عددُها 37 بالتحديد، أذكر منهم Macam وArthaus وندى دبس، ونيفين بويز، وبول بو رميا، وأرليت سوفور، وربيع فضول وسواهم. وتقصّدتُ جذب فنانين من خارج بيبلوس، خصوصًا أنني أطمح إلى عودة البيروتيّين الى بيبلوس، لذا دعوتُ فناني بيروت لعرض أعمالهم في متاجر المدينة ليوميْن متتالييْن، تحديدًا السبت في 21 حزيران، والأحد في الـ22 منه، من الساعة العاشرة صباحًا حتى الثامنة ليلًا. عدد المتاجر المشاركة 18، منها “خان جبيل”، و”إبرة وخيط”، و”Old Pub”، و”أفكار وحرف”، وبيت ضيافة “فارس ولوشيا”، و”عشتار جاز بار”، و”صابون بربر”، وغيرها من المتاجر. وهكذا يقصدُ المتنزّهون مكانًا ما طمعًا في الاطلاع على أعمال فنانٍ معيّن فيتعرّفون على متجرٍ لم يكن في الحسبان، فنُلقي بذلك الضوء على المتاجر الصغيرة التي تستحق الانتباه.

 

ماذا عن النشاطات خلال هذيْن اليوميْن؟

النشاطات كثيرة، سيحتضن متحف الاحفوريات Memory of Time مثلًا ورشةً لفنّ الفسيفساء (الموزاييك)، في حين تقدّم زويا صقر، مؤسسة “مجتمع الزهور” ورشةً حول تنسيق الزهور في “اي كافيه”، وهناك ورشةٌ أخرى للأدوات المصنوعة من خشب الأشجار كالملاعق والأشواك والأطباق، بالاضافة الى الموسيقيّ المتألّق ايلي درغام الذي سيعزف الكمان (وهو ضرير) وسيصنع كراسي القشّ.

 

هل تُخطّطين لإقامة هذا الحدث سنويًا؟

أتمنى ذلك!

 

نجدكِ متفائلة.

متفائلة للغاية، ليس بشأن بيبلوس وحدَها، بل بشأن البلد بأكملِه.

 

ما الذي تطلبينَهُ مِن وزير الثقافة الجديد؟

أطلبُ منه تشجيعَ الحِرَف والفنون التقليديّة. تدريسُ الحِرَف في المدارس أمرٌ أساسيّ. لا يجب أن تقتصر حصصُ التعليم على الرياضيّات واللغات والتقنيّات والعلوم وحدها، بل يجب أن تكون للثقافة في المدارس حصّة الأسد.

علينا تلقين الأولاد استخدام أيديهم. لا عيب في الأمر. لماذا لا يهمّ اللبناني إلا تقليد أوروبا أو أميركا أو الغرب عمومًا؟ جميلٌ أن يتابع التطوّر في العالم ولكن الأجمل هو الالتفات الى ما لديه من إرثٍ فريد ونقل الفنون والحرف اللبنانية الى الأجيال القادمة، ليطّلع الشباب اللبناني على إرث أجداده فيفتخرَ بِهِ ويبني عليه.

Snapshot (1)
« من 57 »
صحافية |  + posts

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى