كلمة الناشر

تشهد معدلات القراءة في لبنان تراجعًا ملحوظًا يثير القلق. هل يعقل ان شعبًا خطّ بأقلامه تاريخ الفكر في الشرق اختار العزوف عن الحرف والمعرفة؟ هل هو انعكاس حتميّ لضوضاء العصر؟ ماذا عن دور المدارس والإعلام ووزارتي الثقافة والتربية في هذا التردّي؟
في المدارس، حيث يُفترض أن تُزرع بذور حبّ القراءة، تحوّل التعلّم إلى عملية تلقينٍ جافة، مجرّدة من سحر الاكتشاف والغوص في عوالم الأدب. تُقدَّم النصوص بجمود، بلا روح، فيهجر الطلاب الكتاب الى المحتوى الرقمي، الى ما لا يحاور الفكر، ولا يترك مساحة للتأمل.
والشاشة تلك التي تصدح بالأخبار وصراعات الوطن والكون أهملت الكتاب، فلم تخصّص له منبرًا يليق بمقامه. فلا برامج تناقش المؤلفات، ولا حوارات تحتفي بالكتّاب، فالثقافة باتت رفاهية فيما أدار الإعلام المرئي المحلّي ظهره للكلمة المكتوبة فتقلّصت فسحة المعرفة في زمنٍ يحتاج فيه المرء أكثر من أي وقتٍ مضى إلى التشبّث بالكتاب كمنارة علمٍ ومعرفة.
ما الذي يمنعنا من إعادة إحياء ملكة القراءة؟ إن أعادت المدارس النظر في أسلوبها، وفتحت أبوابها أمام الأدب الذي يلامس القلب قبل العقل، وإن استعاد الإعلام دوره كحارسٍ للثقافة، إن أدت وزارتا الثقافة والاعلام دورها الفاعل في دعم الكتاب والترويج له، نبضت الكلمة المكتوبة ونهضت من كبوتها.
ما زال لبنان قادرًا على استعادة مجده كمنارةٍ ثقافية، إن تذكّرنا أولًا أنّ الكتاب ليس مجرّد صفحاتٍ نقلبها، بل هو روح أمّتنا النابضة، فكيف نتركها تحتضر؟