حين يتوارى الفنّان خلف الخوارزمية

لا يمكن إنكار ما أحدثه الذكاء الاصطناعي مِن ثورةٍ في مختلف مجالات الحياة، ولا سيّما صناعة الفنّ في عصرنا الرقـمي المُتسارع، فقد بات بوسـع البرامـج والـخوارزميات رسمُ لوحـات، تأليـف موسـيقى، وكـتاباتٍ شـعرية وروائيـة تُـحاكي بـل وحتى تتفوّق أحيانًا على ما يصنعُه الإنسان من حيث التقنية والدقّة والانسيابية. إلا أنّ هذه الظاهرة، برغم بريقها التقني، تطرح تساؤلاتٍ جوهريّة تُهدّد روحَ الفن ومصداقيته. لـيس الإتقان وحده ما ميّز الفـنّ منذ الأزل؛ بل الأثـر الإنسـاني المُتغلغل فيه؛ وتحديدًا امتداد المُبـدع الـوجداني، وانـعكاس تجاربـه، آلامـه، وتـطلّعـاته على عمله الفنّي الذي يتحوّل إلى مرآةٍ لروحه.
وحين يتولّى الذكاء الاصطناعي زمامَ الإبداع، يتلاشى البعد الإنساني، ليحلّ محله ذكاءٌ مُبرمج بارد خالٍ مِن المشاعر. والأسوأ أنّ المرء لم يعد قادرًا على تمييز العمل الصادر عن فنانٍ مِن ذاك الناتج عن آلة، ما يُهدّد بإحداث قطيعةٍ بين المتلقّي والمُبدع الحقيقي.
يفتحُ هذا التشويش البابَ في نَسْبِ العمل أمام التزوير والانتحال، محوّلًا الفن الى سلعةٍ مُفرغة مِن روحها.
كيف نحتفي بلوحةٍ إذا لم نُدرك ما إذا كان صانُعها فنانٌ مغمورٌ كافح ليعبّر، أم آلةٌ لا تعي فعلًا ما تُنتجه؟ بل كيف نؤمن بصدق إنجازٍ، حين نجهلُ إن كان نابعًا مِن قلبٍ إنسانيّ أم مجرّد محاكاةٍ رقمية؟
لا شكّ في انّ الذكاء الاصطناعي أداةٌ فاعلةً، لكن يجب ألا يكون بديلاً عن الفنان، بل مُعينًا له. ثمّة حاجة ماسّة لتشريعاتٍ وقواعد أخلاقية تضمنُ الشفافية في نَسْبِ الأعمال، وتحمي أصالة الفنّ مِن التلاشي خلف أقنعة الخوارزميات.
ليس الفنّ مجرّد منتجٍ للاستهلاك، بل فعلُ وجود. وإذا فقدنا الإنسان في المُعادلة، خسرنا جوهر الفنّ الحقيقي. فهل هذا فعلًا ما نبتغيه؟